الغير، فإنّ البر باليمين في حقّه هو الحكم الشرعي. والمقصد المشتمل عليه البر هو تعظيم اسم الله تعالى الذي جعله شاهداً عليه ليعمل ذلك العمل. فإن ثقل عليه البرّ فتحيل للتفصّي من يمينه بوجه يشبه البر، فقد حصل مقصود الشارع من تهيّب اسم الله تعالى. وللعلماء في هذا النوع مجال من الاجتهاد. فمذهب مالك لزوم الوفاء وإلّا حنث، ومذهبُ فخر الإسلام أبي بكر الشاشي فيما نقله عن ابن العربي أن لا حنث عليه إذا تحيّل مثلاً بتغيير يُلحقه بثوبه. وقد حلف ألا يلبس هذا الثوب .. وكان بعض الحنفية يفتي من حلف ألّا يدخل الدار بأن يتسوّرها وينزل من باب سطحها. وهذا بالنسبة للأعاجم لأن الدخول عندهم مقصور على الدخول العادي.
النوع الخامس: تحيّل لا ينافي مقصد الشارع. وهو يعين على تحصيل مقصده ولكنّ فيه إضاعة حق لآخر أو مفسدة أخرى (١).
وما من شك في أن الحيل المحرّمة هي كما صوّرها ابن القيم من مكائد الشيطان التي كاد بها الإسلامَ وأهلَه. فإن الحيلة متى تضمّنت تحليل ما حرّم الله، وإسقاطَ ما فَرَضَه، ومضادتَه في أمره ونهيه، لا تكون إلا باطلة. وهذا ما اتفق السلف على ذمّهِ وصاحوا بأهله من أقطار الأرض. ويؤكد هذا التصوّر ما بنيت عليه الشريعة الإسلامية من سماحة ورفق وعدل ووفاق. وهذا دليل كمالها وعظمتها. فهي الصراط المستقيم الذي لا أَمْتَ فيه ولا عوج، وملته الحنيفية السمحة التي لا ضيقَ فيها ولا حرج، بل هي حنيفيةُ التوحيد، سمحةُ العلم لم تأمر بشيء فيقول العقل: لو فهمت عنه لكان أوفق، ولم تنه عن شيء فيقول الحِجا: لو أباحته لكان أرفق،