للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا يرفضه الواقع ويمنع منه الحق والعدل. وأنَّ المعروف كما فسّره القرطبي: "هو القدر الذي يمنع الشهوة" (١).

وإنما فرضت الأجور على أصحاب الأعمال قِبل أُجرائهم، للنصوص الكثيرة التي تستوجب كفالة ما لهم من حقوق بينهم. فإن الأجرة مقدار من المال يسعى له العامل للقيام بضروراته المعيشية والاجتماعية. ومن تباطأ في إعطاء العامل حقه أو سوّفه أو ماطله فقد أثم لاستيفائه منفعته بغير عوض، فكان أكلُه لها باطلاً، واستخدامه للعامل بغير أجرة استعباداً.

والأصل في مراعاة حق العامل على أوسع الوجوه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (٢)، وقوله جل وعلا في حديث قدسي: "يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا" (٣)، وجاء تأكيدُ هذا وبيانهُ في الحديث القدسي الآخر متوعداً الظلمة بقوله: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره" (٤).


(١) ورد بإزاء هذا المعنى ما يمكن أن يكون تفسيراً له وذلك بإطلاق لفظ المعروف على الاقتصار على البلغة. وقال الحسن: هو طعمة من الله له. وذلك بأن يأكل ما يَسدّ حاجته ويكتسي ما يستر عورته، ولا يلبس الرفيع من الكتان ولا الحلل. الجامع لأحكام القرآن: ٥/ ٣٦ - ٤٣.
(٢) سورة النحل، الآية: ٩٠.
(٣) هو حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ٤٥ كتاب البر والصلة، ١٥ باب تحريم الظلم. ح ٥٥. مَ: ٣/ ١٩٩٤.
(٤) الحديث أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة وفيه زيادة على ما ههنا بعد الجملة الأولى. وهي: ومن كنت خصمه خصمته. جَه: ٢/ ٨١٦، عدد ٢٤٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>