للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي نشاط ظاهر. وتدارك أمرَه صديقُه خير الدين في تلك الآونة لما كان بينهما من صفاء ومودة. فسمي عضواً في اللجنة المكلّفة بمحاسبة الجنرال أحمد زرُّوق، وعيّن بعد ذلك مستشاراً أولاً بالقسم الثالث بالوزارة الكبرى، قيِّماً على الأحوال الشخصية بما له هناك من الصلاحيات القانونية. وبظهور التعاطف بينه وبين الوزير خير الدين، وتقدُّم العمر به، ازدادت مضايقة الوزير الأكبر مصطفى خزنة دار له. واضطَره الأمر إلى الاستعفاء من أعماله ومهامه في الدولة في ذي قعدة ١٢٨٨/ فيفري ١٨٧٢. وقد سعى الوزير خير الدين لدى الأمير محمد الصادق باي لإعطائه مرتباً عمرياً تقديراً لما كان له من خدمات، كما اشترى منه مجموعة كتبه التي أودعها الوزير خير الدين المكتبة الصادقية بالجامع الأعظم (١).

ولقد كانت الفترة، التي قضاها ابن أبي الضياف في الأعمال الإدارية والكتابة في الديوان، والممارسة لشؤون السياسة في الدولة الحسينية طويلة لا تقلّ عن خمسة وأربعين عاماً من حين ضَمَّهُ الأمير حسين باي إلى كتابته الخاصة، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة في أوائل شوال ١١٤٢/ أبريل ١٨٢٧، إلى حين مغادرته القصر نهائياً قبل وفاته بعامين.

وفي الأيام القليلة التي بقيت من عمره، والشبيبة ولّت، والقريحة كلّت، والقوى ألقت ما فيها وتخلّت، عكف على تدوين تاريخه الشهير المعروف بإتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان. وقد جعله على مقدمة ذات عقدين: العقد الأول هو خلاصة آرائه وآثار تجربته، ومظهر إصلاحه ومجتلى دعوته، والعقد الثاني


(١) محمد محفوظ. تراجم المؤلفين التونسيين: ٣/ ٢٦٦، ٣٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>