للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصالح العباد والبلاد. قد تدخلت السلط الأجنبية ومن يمثلها لدى الدولة العلية للالتزام بها وتطبيقها. وورد على الإيالة التونسية في محرم ١٢٥٦/ مارس ١٨٤٠ فرمان بها من السلطان عبد المجيد إلى المشير الأول أحمد باي. فجمع هذا له رجال الدولة وأعيانها. وبعد عرضه على أسماعهم أعلن الباي امتناعه من تطبيق التنظيمات قائلاً: "إن هذا غرض محمود، ولا بد من زمن لإبرازه إلى الوجود، لاختلاف الطباع والبقاع، وهو أمر لا محيص عنه ولا بد منه" (١).

وتدخل بعد ذلك الصدر الأعظم في الأمر فلقي نفس الصدود والإعراض. وحرص قنصلا فرنسة وإنجلترة روش ووود على الباي بشتى الطرق، وكان من أخطرها إبحار أسطول فرنسي في مياه تونس في أغسطس ١٨٥٦، دعا قائدُه الباي على لسان دولته إلى إعطاء الحرية والأمن للرعية بالاستجابة للأمر السلطاني خط همايون. فما كان من المشير الثاني محمد باي إلا أن سارع بقبول الإصلاحات، تاركاً الناس من حوله منقسمين إلى فئتين: فئة يمثلها الجنرال حسين الذي يرى في هذه الإصلاحات تحكيماً للقوانين بدل الشريعة، وانتزاعاً للسلطة من أيدي أربابها بإسنادها إلى المجالس والمحاكم التي جاءت بتأسيسها التنظيمات، وألحّ على إيجادها قناصل الدول الأجنبية، وفئة ثانية مقتنعة بالإصلاحات، قابلة لها. أبرز من يمثلها الوزير الأكبر مصطفى خزنة دار ووزير البحر الجنرال خير الدين.

أما ابن أبي الضياف فقد كان في تلك الآونة من المتردّدين الرافضين بدعوى أن الإصلاحات ستغلّ أيدي الباي. وكان ردّ المشير


(١) المنصف الشنوفي. تحقيق أقوم المسالك لخير الدين: ١٨ - ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>