للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفق ما جاءت به المصادر الأساسية للاجتهاد، وما يتبع ذلك من استحسان واستصلاح ونحوه، وبيان أنواع الدلالات والتفريق بين العموم والخصوص، والاستثناء والشرط والفرق بينهما، ومراعاة القواعد الأصولية والفقهية العامة. فإن ذلك كله وقاية من المخاطر والمزالق، تحمي السلوك الإنساني من الاضطراب، ومن مخالفته لقوانين العقل وأحكام الشرع التي لم يَرِد بها الحكماء ولا رجال الشريعة إلا لأجل حمل الناس على الجادة والاستقامة ما عاشوا. وذلك هو المطلب الثاني بعد الإيمان. يدل عليه قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله عن منهج الإسلام: "قل آمنت بالله ثم استقم" (١). وقد تفطن لهذه الحقيقة العالمان الجليلان محمد الخضر حسين ومحمد الطاهر ابن عاشور. فقال الأول في محاضرة ألقاها بعنوان مدارك الشريعة الإسلامية وسياستها إن المقصد من وضع قوانين المعاملات والجنايات تمكين الناس من حقوقهم التي تهوى إليها أفئدتهم، ووقايتُهم مما يدخل على قلوبهم من الآثار المؤلمة. وليس كل ما فيه ألم يستحق أن يدفع، ولا كل ما فيه لذة هو أهل لأن يجلب. فقد يتجرّع الشخص مشقة تعود عليه بسعادة، ويلتذ براحة تلقي به في التهلكة، كالمريض تلذ له بعض الأطعمة تسوق له منيتَه، ويشمئز ذوقه من بعضها وفيها غنيمة شفائه (٢).

وتعرّض الشيخ ابن عاشور لكلام الشاطبي في المسألة الثانية عشرة من كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية (٣) قائلاً: "إن الأعمال كلها


(١) مَ: ١/ ٦٥؛ حَم: ٣/ ٤١٣.
(٢) محمد الخضر حسين. مدارك الشريعة الإسلامية: ١٠.
(٣) المقاصد: ٣٢٠ - ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>