منتصف القرن الماضي نهضة جديدة بما ظهر من مظاهر اليقظة والانبعاث. وبعد أن انتشرت القوانين الوضعية الأجنبية والالتزام بالعمل بها قسراً عاد علماء الإسلام ورجال القضاء إلى الشريعة الإسلامية يلوذون بتراثهم الفقهي وأحكام شريعتهم، يحيونها مُراعين في ذلك مراحل التطور للخروج بالحكم الإسلامي من سيطرة الغرب إلى واقع معاش يرجع فيه الناس إلى حكم الله وحكم الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وكانت الخطوة الأولى في التقنين، وإعطاء الفقه الإسلامي طابعه النظري الذي يجمع بين الأصول والاجتهادات المعاصرة. وهذه مجلة الأحكام العدلية شاهدة بذلك. صدرت سنة ١٢٨٦، وبدأ العمل بها ١٢٩٢، غير أن أحكامها كانت مقصورة على المذهب الحنفي. ورغم ذلك فقد اندفع علماء الفقه وأصوله إلى توسيع هذه النهضة وكتابة الفقه في مقالات ورسائل وكتب، وتكونت لجان الفتوى في كل مكان، وأُحدث مجمع البحوث الإسلامية ومجامع الفقه الإسلامي في بلاد كثيرة.
وفي ١٩٢٠ خرجت الأحكام الشرعية في مصر عن الاقتصار طى المذهب الحنفي، وتجاوزت ذلك إلى الأخذ بالمذاهب الأربعة.
وفي ١٩٢٩ تجاوز الأخذ بالأحكام في الأحوال الشخصية عن خصوص المذهب الحنفي إلى الأخذ ببعض المذاهب الفقهية الإسلامية الأخرى. وتجلّى ذلك بالخصوص في أحكام الوقف والمواريث والوصية. وذلك ما اقتضته مراعاة مصالح الناس ومسايرة التطور الاجتماعي.
واتسعت النظم بعد هذا إلى الأخذ بالقوانين الشرعية المختلفة تحقيقاً لمصالح الناس، ومسايرة لروح العصر وتطوراته، شرط ألا يخالف ذلك نصاً من القرآن أو السُّنة الصحيحة.