الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، والمرشد الأمين للبنات والبنين، وتأثره بما كان ينشره أحمد فارس شدياق في صحيفة الجوائب، وتجاوُبَه مع الوزير أحمد بن أبي الضياف في الكثير من مواقفه، ومساندته وتأييده لرجل الدولة خير الدين صاحب البرنامج الإصلاحي الذي أعدّه على الصعيد الحكومي ليخاطب به جماهير الأمة، جَعَلَت كتبَهُ ومقالاته وأدبَه وشعرَه ترشح بهذه المبادىء الإصلاحية والآراء القويمة الفكرية. وهي وإن ظهرت أحياناً على طريقة عصره، وقد كان مولعاً بالإغراب في التعبير وبوحشي المباني، إلا أنها بدون شك مقبولة من معاصريه، جليّة المعاني معبّرة ومؤثّرة.
تراه ينوّه بالفكر والحضارة الإسلامية التي يعتدّ بها ويفاخر بأمجادها حين يقول:"كم للعلوم الرياضية والطبيعية في الصحائف الإسلامية من خيرات حسان، لم يطمثها من أفكار الفرنج إنس ولا جان. فطال ما عرض عليّ من عيون كلامهم ما وصف لي قصور أفهامهم، حتى هممتُ، ولم أفعل وكدت، وليتني جابهتهم من الحساب ببراهين وقواعد، تأتي بعضَ بنيانهم من القواعد. ولكن أين خُطَّابُها، حتى يكشف عنها نقابها! وهب أن خطابها كثير، فأين الناقد البصير؟! وهب أن لها عِرفة، فأين منها النِّصفة؟! بلى إن لها سوقاً نافقة في هذه الحضرة الرائعة. وحسبك جلاء لعدم ارتياضهم بالرياضة وانطباعهم بالطبيعة أن ليس بين أظهرهم بالمرايا المحرقة خبير، ولا من يعرف منها قبيلاً من دبير"(١).
وهو يرد ظهور المسلمين على غيرهم في الماضي بما اقتنوه من معارف وكان لهم به من علم وقدرة. فلما وهنوا وتقاعسوا، وتركوا
(١) ديوان قابادو. جمع الشيخ السنوسي. ط. الدولة التونسية: ٤٢ - ٤٣.