الأخذ بعوامل القوة وطرق التقدم، أفل نجمهم وتلاشت قدرتهم وزلّت بهم قدمهم وولّت هيبتهم. "فالدولة الإسلامية لمّا نشرت لها راية الرعب وخفقت في كل قلب، لم تزل الكفرة في طلاب النجاة منها تمشي تحت كل كوكب. وما منهم إلا من آب بعد الأين بخُفَّيْ حُنَيْن. إلى أن قضى القدر المتيح، والجد المريح، بأن يكون إقبال المراد وإبقال المواد في هذا العهد الحديث، غبّ ذلك السعي الحثيث، لأحلام السفنج، وجرأة الفرنج. فاستحدثوا تلك الطاقة التي هي إحدى الكُبَر، وذات الوَدْقين التي لا يعفو لها أثر، لوّاحة للبشر، التي لا تبقي ولا تذر، الصواعقَ الصناعية، الصادرة عن الأسلحة النارية. فأرادوا بها دائرة البوار على اليَلَب المُدَار، وأباحوا حمى الدِّلاص المادية، والمَوْضونة الحَطْمية، وَقَلَصوا ظلال القنوات، وبَتَروا البِيض الباترات، فَزُفَّ حديث البسالة للمنزل المهجور، ولعبت به ريح صباً ودبور. ولما طبقوا بها من أمنيتهم المِفْصل، وأَصْمَوْا من رميتهم المَقْتَل، شبّ عمرو جُنْدبِهم عن طوق أوزار الحروب السالفة، وشَمَخَ طورُ طورِهم إلى الإشراف على أوزار مستأنسة"(١).
وبعد هذه المقارنة بين الحالين، وذكر تفوق الفرنجة في القوة المادية والاختراعات النارية، هبّ يدعو كما فعل غيره من المصلحين في عصره إلى الاستفادة من تجارب الغير، وما حقّقه من غلبة وظهور، واتجه في ذلك إلى تنبيه المسلمين الغافلين لا إلى ما يتحتم عليهم من المبادرة إلى الجمع بين ما اقتضاه العقل ودعا إليه الشرع، بل إلى اقتباس ما تفرد به الغرب من الوسائل والطرق المحقّقة لنهضته، المقتضية لسبقه وتقدمه.