وانتدبه المشير الثالث محمد الصادق باي إلى خطة الفتوى ١٢٧٧/ ١٨٦١ إثر وفاة الشيخ العلامة محمد النيفر، وأولاه نقابة الأشراف بعد وفاة الشيخ العلّامة محمد بيرم الرابع. كما عيّنه محتسباً على فواضل الأحباس، أي مديراً للأوقاف، وأسند إليه نظارة بيت المال. واختاره عضواً في مجلسه الخاص، ثم عضواً بالمجلس الأكبر للشورى الحامي لحقوق المملكة والدولة والسكان. وعرف في كل هذه المناصب بالجد والاستقامة، والاستقلالية، وعمق النظر.
ونوّه ابن أبي الضياف بأخلاقه وسجاياه في قوله:"كان سليم الصدر، حسن الأخلاق، عذب البيان، كاتباً شاعراً بليغاً، ما شئت من محاضرة تتحف المجالس والمحاضر، ويسبي النواظر زهرُها الناضر"(١).
جدّد بترسّله فنون عبد الحميد وابن العميد. فمن ذلك ما كتب به من الإخوانيات إلى بعض خلصائه وأصفيائه:
يا نائياً وفي القلب قراره، وظاعناً وقد شاقني مزاره. لقد أفرطتَ في الجفا، وكان من الهجر ما كفى، وتَركت ما تركت بين الجوانح، وسلَّمت الفؤاد لوقد القوادح. أظلمت منازلُ أنِست من جمالك بدراً منيراً، وأوحشت منازل طالما استنشقَتْ من مسامرتك عطيراً. وأبقيت حليف هواك يقنع بطيف الخيال، بعد تمتعه بطيب الوصال، ويحسد أهل ذلك المنزل الذي سعد ببهاء جمالك، ولا يترقب سمعه إلى نغمة بشير وصالِك. قد جنح إلى رسول الكتاب، حين زاد وجده، وحنّ إلى الخطاب:
كتبت، ولو كتبت بقدر شوقي ... لأفنيت القراطس والمدادا