للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق الأول: وهو أعظمها، استقراء الشريعة في تصرفاتها، وهو على نوعين:

أعظمهما: استقراء الأحكام المعروفة عللُها، الآئل إلى استقراء تلك العلل المثبتة بطرق مسالك العلة، فإن باستقراء العلل حصولَ العلم بمقاصد الشريعة بسهولة، لأننا إذا استقرينا عللاً كثيرة متماثلة في كونها ضابطاً لحكمة متّحدة أمكن أن نستخلص منها حكمةً واحدة، فنجزم بأنها مقصد شرعي، كما يُستَنتج من استقراء الجزئيات تحصيلُ مفهوم كلّي حسب قواعد المنطق.

مثاله: أننا إذا علمنا علّة النهي عن المزابنة الثابتة بمسلك الإيماء في قول رسول الله، عليه الصلاة والسلام، في الحديث الصحيح لمن سأله عن بيع التمر بالرطب: "أينقص الرُّطَبُ إذا جفّ؟ " قال: نعم، قال: "فلا إذن" (١). فحصل لنا أنّ علة تحريم المزابنة، هي: الجهل بمقدار أحد العوضين، وهو الرُّطَب منهما المبيعُ باليابس.

وإذا علمنا النهي عن بيع الجزاف بالمكيل (٢)، وعلمنا أن


(١) انظر ٣١ كتاب البيوع، ١٢ باب ما يكره من بيع التمر، ح ٢٢ طَ: ٢/ ٦٢٤؛ الشافعي. الرسالة: ٣٣١ - ٣٣٢، ف ٧ في ١٧ كتاب البيوع والإجارات، ١٨ باب في التمر بالتمر، ح ٣٣٥٩. حَـ: ٣/ ٦٥٤؛ وفي ١٢ كتاب البيوع، ١٤ باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة، ح ١٢٢٥؛ تَ: ٣/ ٥٢٨؛ وفي ٤٤ كتاب البيوع، ٣٦ باب اشتراء التمر بالرطب، ح ٤٥٤٢. نَ: ٧/ ٢٦٨؛ وفي ١٢ كتاب التجارات، ٥٣ باب بيع الرطب بالتمر، ح ٢٢٦٤؛ جَه: ٢/ ٧٦١.
(٢) يعني أنه لا يجوز بيع جزاف مع مكيل في صفقة واحدة إلا أن يأتي كل منهما على أصله، كقطعة أرض جزافاً، وإردب قمح بكذا، لأن الأصل =

<<  <  ج: ص:  >  >>