للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى اختلافهم قال: "دعوني فما أنا فيه خير" (١).

واعلم أن أشد الأحوال التي ذكرناها اختصاصاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي حالة التشريع، لأن التشريع هو المراد الأول لله تعالى من بعثته، حتى حصر أحواله فيه في قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} (٢). فلذلك يجب المصير إلى اعتبار ما صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأقوال والأفعال فيما هو من عوارض أحوال الأمة صادراً مصدر التشريع ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.

وقد أجمع العلماء على الأخذ بخبر سعد بن أبي وقاص، حيث سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوصي في ماله. قال له: "الثلث والثلث كثير". فجعلوا الوصية بالزائد على الثلث مردودة إلا أن يجيزها الورثة. ولم يحملوه محمل الإشارة والنصيحة، مع ما قارنه مما يسمح بذلك، وهو قوله: "إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" (٣). فإنه مؤذن بالنظر إلى حالة خاصة بسعد وورثته


(١) الخبر في هذا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتد به مرضه ووجعه، فقال: "ائتوني بدواة وبيضاء أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً" فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: إن رسول الله يهجر، فجعلوا يُعيدون عليه. فقال: "دعوني فما أنا فيه خير مما تدعوني إليه" ابن الأثير. الكامل: ٢/ ٢١٧؛ انظر ٥٦ كتاب الجهاد، ١٧٦ باب هل يستشفع إلى أهل الذمة. خَ: ٤/ ٣١؛ ٥٨ كتاب الجزية، ٦ باب إخراج اليهود. خَ: ٤/ ٦٥؛ ٩٦ كتاب الاعتصام، ٢٦ باب كراهة الخلاف. خَ: ٨/ ١٦٠ - ١٦١؛ انظر ٢٥٠ كتاب الوصية، ٥ باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، ح ٢٠، ٢١، ٢٢. مَ: ٢/ ١٢٥٧ - ١٢٥٩.
(٢) آل عمران: ١٤٤.
(٣) الحديث طويل. وقد ورد بدواوين السنة مطولاً ومختصراً. فمنها: انظر ٢٣ كتاب الجنائز، ٣٧ باب رثى النبي سعد بن خولة. خَ: ٢/ ٨٢؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>