للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انقضى العمل" (١). والمقصود من ذلك نسخ الحديث الوارد أن رجلاً وَقَصَتْه ناقتُه وهو محرم فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تخمِّروا وجهه ولا تمسُّوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" (٢).

وقد قيل: إن تلك خصوصية له، قد علم الله سرًّا أوجب اختصاصه بتلك المزية (٣).

والصواب عندي: أن ذلك لئلا يتلطخ محنطوه. فالنهي لأجل الأَحياء لا لأجل الميت، وجعل حرمانه من الحنوط سبباً لحشره ملبياً تنويهاً بشأن الحج، كما ورد في الشهيد، وسنذكره قريباً (٤).

وقد أبطل الإسلام أحكام التبنّي التي كانت في الجاهلية وفي صدر الإسلام لكونه أمراً وهمياً.

ومن حق الفقيه مهما لاح له ما يوهم جعل الوهْم مُدْرَك حكم شرعي أن يتعمق في التأمل، عسى أن يظفر بما يزيل ذلك الوهْم، ويرى أن ثمة معنى حقيقياً هو مناط التشريع قد قارنه أمر وهمي فغطّى عليه في نظر عموم الناس، لأنهم أَلِفوا المصير إلى الأوهام.

مثاله: النهي عن غسل الشهيد في الجهاد (٥)، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشهيد: "إنه يبعث يوم القيامة ودمه يثعب، اللون لون الدم والريح ريح المسك" (٦). فيتوهّم كثير من الناس أن علّة ترك


(١) و (٢) تقدما: ٢/ ٧٥، ٢/ ٧٦.
(٣) ابن حجر. الفتح: ٤/ ٥٤ - ٥٥؛ الزرقاني. شرح الموطأ: ٢/ ٢٣٣، ٧٣٢؛ الباجي. المنتقى: ٢/ ٢٠٠.
(٤) المثال المذكور بعده: النهي عن غسل الشهيد في الجهاد.
(٥) انظر ٢١ كتاب الجهاد، ١٦ باب العمل في غسل الشهيد، ح ٣٧. طَ: ١/ ٤٦٣.
(٦) جاء عن جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لشهداء أحد: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة". =

<<  <  ج: ص:  >  >>