للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفوس سهل عليها قبولها. ومن الفطرة النفور من الشدة والإعنات. قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (١). وقد أراد الله تعالى أن تكون شريعة الإسلام شريعة عامة ودائمة، فاقتضى ذلك أن يكون تنفيذها بين الأمة سهلاً. ولا يكون ذلك إلّا إذا انتفى عنها الإعنات. فكانت بسماحتها أشد ملاءمة للنفوس، لأن فيها إراحة النفوس في حالي خويصتها ومجتمعها.

وقد ظهر للسماحة أثر عظيم في انتشار الشريعة وطول دوامها. فعلم أن اليسر من الفطرة، لأن في فطرة الناس حب الرفق. ولذلك كره الله من المشركين تغيير خلق الله فأسنده إلى الشيطان، إذ قال عنه: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (٢). وذلك من حيث يكون التغيير خلوًا عن المصلحة. فأما إذا كان لمعنى أدخل في الفطرة لا يصير مذموماً بل يكون محموداً، مثل: الختان، وتقليم الأظفار (٣)، وحلق الرأس في الحج (٤).


(١) النساء: ٢٨.
(٢) النساء: ١١٩.
(٣) وردت في ذلك أحاديث تحثّ عليها، مثل حديث أبي هريرة: "الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب". انظر ٧٧ كتاب اللباس، ٦٣ باب قص الشارب. خَ: ٧/ ٥٦. ابن حجر. الفتح: ١٠/ ٣٣٤ - ٣٤٩.
(٤) لكونه نسكاً في الحج، ولفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. فعن ابن عمر: "حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله المحلقين" مرّة أو مرّتين. والحلق أفضل من التقصير فإنه أبلغ في العبادة، وأبين للخضوع والمذلة، وأدل على صدق النية. وفيه معنى التجرد. واستحب الصلحاء إلقاء الشعور عند التوبة. ابن حجر. الفتح: ٣/ ٥٦٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>