للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها في ظاهر الأمر نفع لدافعيها، حتى قال زهير:

تُعَفَّى الكلوم بالمئينَ فأصبحت ... يُنَجِّمها من ليس فيها بمجرم (١)

وفيها مصلحة خاصة للقاتل خطأً إذ استُبقي مالُه. ولو كان النظر إلى تلك المصلحة الخاصة لكان النظرُ يوجب إلغاء مصلحة القاتل في مقابلة مضرة أقاربه من قبيلته. ولكن غوص النظر ينبئنا بأنها روعي فيها نفع عام، وهو حق المواساة عند الشدائد، ليكون ذلك سنة بين القوم في تحمل جماعاتهم بالمصائب العظيمة. فهي نفع مدّخَر لهم في نوائبهم كما قال الله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (٢)، مع ما في ذلك من إرضاء أولياء القتيل حتى تنتزع الإحن من قلوبهم. تلك الإحن التي قد تدفعهم إلى الاجتراء على إذاءة القاتل، فإن فرحهم بمال الدية الكثير يجبر صدعهم. ولو كلف القاتل دفع ذلك لأعوزه أو لصار بحالة فقر. فبذلك كله حصلت مقاصد الأمن والمواساة والرفق.

ومثال مراعاة مصلحة نظام العالم حياطةُ الشريعة المصالح المألوفة المطردة بسياج الحفظ الدائم، ولو في الأحوال التي يظن


= تقدير الدية هو مائة من الأبل مخمسة: عشرون حقة، وعشرون جَذعة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون. وفي دية العمد تكون مربعة خمس وعشرون من كل صنف من الأصناف الأربعة الأول. ابن عاشور، التحرير والتنوير: ٥/ ١٥٩، ١٦٠.
(١) البيت الرابع والعشرون من معلقة زهير بن أبي سلمى التي طالعها:
أمن أم أوفى دمْنة لم تكلم ... بحَومانة الدراج فالمتثلم
التبريزي. شَرح القصَائد العشر: ١٣٨؛ ابن النحاس: ١١٠.
أورده المؤلف مشيراً به إلى أن الدية كانت أيضاً عند العرب على ما يتراضون عليه. وذلك قوله: وإذا رضي أولياء القتيل بدية بشفاعة عظماء القبيلة قدروها بما يتراضون عليه. ابن عاشور. التحرير: ٥/ ١٥٩.
(٢) البقرة: ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>