للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوات المصلحة من سائر جوانبها، كما يقال في الشيخ الهرم المنهوك بالمرض، الفقير الجاهل الذي لم يبق فيه رجاء نفع ما، فهو مع هذه الأحوال محترم النفس محافظة على مصلحة بقاء النفوس، لأن مصلحة نظام العالم في احترام بقاء النفوس في كل حال، مع الأمر بالصبر على ما يلوح من شدة الأضرار اللاحقة لحياة بعض الأحياء، كيلا يتطرق الوهن والاستخفاف بالنفوس إلى عقول الناس، فتتفاوت في ذلك اعتباراتهم تفاوتاً ربما يفضي إلى خرق سياج النظام. فالحفاظ على ذلك تأمين للأحياء من تلاعب أهواء الناس وأهواء نفوسهم بهم، وتأمين لنظام العالم من دخول التساهل في خرم أصوله.

هذا وتحقيق الحد الذي نعتبر به الوصف مصلحة أو مفسدة أمر دقيق في العبارة، ولكنه ليس عسيراً في الاعتبار والملاحظة، لأن النفع الخالص والضر الخالص وإن كانا موجودين إلّا أنهما بالنسبة للنفع والضر يعتبران عزيزين.

ولذلك قال عز الدين بن عبد السلام في الفصل الثالث من قواعده: "واعلم أن المصالح الخالصة عزيزة الوجود. فإن تحصيل المنافع المحضة للناس كالمأكل والمسكن لا يحصل إلا بالسعي في تحصيلها بمشقة الكد والنصب. فإذا حصلت فقد اقترن بها من المضار والآفات ما ينغصها" (١). وقال فيه أيضاً: "واعلم أن تقديم الأصلح فالأصلح ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد ... ولا يُقدَّمُ الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح أو شقيٌ متجاهل لا ينظر إلى ما بين المرتبتين من التفاوت" (٢).


(١) نقل بتصرف. العز بن عبد السلام. كتاب القواعد. فصل فيما تعرف به المصالح والمفاسد، وفي تفاوتهما: ١/ ٧.
(٢) نقل بتصرف. العز بن عبد السلام. القواعد: ١/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>