للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس لا يشعرون بالمنافع التي تنجر إليهم من معظم المصالح العمومية ما دامت قائمة، وإنما يشعرون بها متى فقدوها، على أن بعض الناس قد يعيش دهراً لا ينتفع ببعض المصالح العامة، مثل الزمِنِ بالنسبة إلى مصلحة توسيع الطريق وتسويته.

ولكل من قسمي المصلحة خصائص من عناية الشارع.

فالقسم الأول ليس من شأن الشارع أن يتعرض له بالطلب، لأن داعي الجِبلة يكفي الشريعة مؤونة توجيه اهتمامها لتحصيله. وإنما شأنها أن تزيل عنه موانع حصوله، كمنع الاعتداء على أحد بافتكاك طعامه ولباسه، وكتحديد كيفية عقد النكاح لإزالة موانع التناسل كالغيرة والعضل. ولذلك نجد البيع والنكاح في قسم الإباحة، وإن كانا مصلحتين مهمتين يقتضيان لهما حكم الوجوب.

والقسم الثاني يتعرّض له التشريع بالتأكيد، ويرتّب العقوبة على تركه والاعتداءِ عليه. وقد أوجب بعضَه على الأعيان، وبعضَه على الكفايات بحسب محل المصلحة. فالذي مصلحته لا تتحقّق إلا بأن يقوم به الجميع، مثل حفظ النفس يكون واجباً على الأعيان. والذي مصلحته تتحقَق بأن يقوم به فرد أو طائفة يجب على الكفاية على الفرد أو على الجماعة، كإنقاذ الغريق وإطفاء النيران الملتهمة الديار. ومن هذا القسم الإنفاقُ على الزوجات والأبناء، ومواساةُ ذي الحاجة، وإضافةُ الغريب، وإجراءُ الوظائف لمن يقوم بأمور الأمة.

وقد يلتحق بهذا القسم أنواع من القسم الأول يعرض لها ما يغشى الجبلة من العوائد والتعاليم الفاسدة التي تحجب الجبلة عن التأثير، مثل من يصاب برعونة ترك الطعام. كما يذكر عن بعض الجاهلية أنه جلس يتغدَّى حذو غدير، فرأى في الماء صورة نفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>