للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزدرد الطعام، فكره تلك الهيئة وآلى أن لا يذوق طعاماً حتى مات جوعاً. فهذا من اختلال العقل.

ومثل ما عرض لبعض أحياء العرب من وأد بناتهم، خشيةَ أن يلحقهم العارُ من جرائهن بالأسر أو الفقر.

ومثل الهاجس الذي هجس بنفس المعرِّي، فأعرض عن التزوج كيلا يأتي بنسلٍ غايته الموت، إن صحّ ما نسب إليه أنه أوصى أن يكتبوا على قبره:

هذا جناه أبي عليْـ ... ـيَ وما جنيتُ على أحد (١)

وكذلك ما يعرض من الكسل عن الاكتساب لبعض الناس، وما يعرض لبعض الزهاد من الانقطاع إلى العبادة حتى يفضي بهم إلى إضاعة منافع أخرى.

فللقائم بالشريعة ولأصحاب التفريع في التشريع أن يقفوا في هذا المقام موقفَ ردع هذه العوارض النادرة بإرشاد يزيل الضلال والخطأ، ويفضح ذلك الأفن. كما قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (٢). وكما قال تعالى:


(١) يروى هذا البيت مفرداً. قاله وهو يحتضر. وأوصى المعري - كما قال المؤلف - بكتابته على قبره. ومن شعره في ترك التزوج وعدم الولد:
وتركت فيهم نعمة العدم التي ... سبقت وصدت عن نعيم العاجل
ولو أنهم ولدوا لنالوا شدة ... ترمي بهم في موبقات الآجل
وينظر إلى هذا المعنى ذاته ابن رشيق في قوله:
قبّح الله لذة لشقانا ... نالها الأمهات والآباء
نحن لولا الوجود لم نألم الفقد ... فإيجادنا علينا بلاء
الآلوسي. روح المعاني: ١٥/ ٦١.
(٢) الأعراف: ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>