للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقديم ما حضّ الشارع على طلبه على ما طلبه طلباً غير محثوث، وتقديم الأصل على فرعه.

ومن طرق الترجيح الخفيّة عن المدركات الشائعةِ آثارُها في المعاملات: ترجيح إحدى المصلحتين الفرديتين على مساويتها بمرجِّح مراعاة الأصل. فإن كثيراً من أنواع التجارات إذا احترف به التاجرُ لجلب مصلحته فدخل بمقداره إضرار على مماثله في التجارة، فمصلحة أحد التاجرين في الاحتراف بالتجارة ومصلحة الآخر في ترك غيره ذلك الاحتراف، وهما متساويتان، ولا يمكن الجمع بينهما. فراعت الشريعة طريق الترجيح في مثل هذا، بأن الأصل إرسال الناس في ميدان الاختيار والجلب، فتترجح إحدى المصلحتين باختيار جالب تلك المصلحة لنفسه. ولذلك أباحت الشريعة أن يشتغل أحد بالتجارة في ضرب من ضروب السلع مع وجود مماثل له في تلك التجارة سابق له بله المقارن. فإذا قصد بذلك الإضرار كان آثماً على نيّته ولم يكن ممنوعاً من العمل (١).

فالشريعة تسعى إلى تحقيق المقاصد في عموم طبقات الأمة بدون حرج ولا مشقة. فتجمع بين مناحي مقاصدها في التكاليف والقوانين مهما تيسر الجمع. فهي تترقى بالأمة من الأدون من نواحي تلك المقاصد إلى الأعلى، بمقدار ما تسمح به الأحوال ويتيسر حصوله، وإلّا فهي تتنازل من الأصعب إلى الذي يليه مما فيه تعليق الأهم من المقاصد.


(١) مأخوذ من كلام الشاطبي في المسألة الخامسة من القسم الثاني من كتاب المقاصد بتصرف .. [الموافقات: (١) ٢/ ٢١٧ - ٢٢٨ = (٣) ٢/ ٣٤٨ - ٣٦٤ = (٤) ٣/ ٥٣] اهـ. ابن عاشور.

<<  <  ج: ص:  >  >>