للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعمومُ الشريعة معلومٌ للمسلمين بالضرورة، فلا حاجة بنا إلى الإطالة به، إذ لسنا الآن في مقام إثباته على منكريه، وإنما غرضنا الإفضاء إلى ما يترتّب عليه.

وإذ قد أراد الله بحكمته أن يكون الإسلام آخر الأديان التي خاطب الله بها عباده تعَيَّن أن يكون أصلُه الذي ينبني عليه وصفاً مشتركاً بين سائر البشر، ومستقراً في نفوسهم، ومرتاضةً عليه العقولُ السليمة منهم، ألا وهو وصف الفطرة، حتى تكون أحكام الشريعة مقبولة عند أهل الآراء الراجحة من الناس، الذين يستطيعون فهم مغزاها، فيتقبّلوا ما يأتيهم منها بنفوس مطمئنة، وصدور مثلجة، فيتبعوها دون تردد ولا انقطاع، وحتى يتسنّى لأرفعهم قدراً في الفهم محاذاةُ نظائرها وتفريعاتُ فروعها، وحتى يكون تلقّي بقيَّة طبقات الأمة الذين لم يبلغوا مستوى أهل الآراء الراجحة إياها تلقياً عن طيب نفس، ويسهل امتثالُهم لما يؤمرون به منها.

وإذ قد تعذّر أن يكون الجائي بالشريعة جماعة من الرسل من جميع أجناس البشر أو قبائلهم، إذ لا يستقيم الأمر في ذلك التعدد، اختار الله تعالى للإرسال بهذه الشريعة رسولاً من الأمة العربية، إذ هو واحد من البشر كما قال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} (١).

ولله تعالى حِكَمٌ جَمَّة في أن اختار لهذه الرسالة رجلاً


= الصلاة، ١١١ باب الأرض كلها طهور ما خلا المقبرة والحمام، ح ١٣٩٦. دَي: ١/ ٢٦٣.
(١) الإسراء: ٩٤، ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>