للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عربياً - ليس هذا موضع بيان ما بلغ إليه العلم من تلك الحِكَم - وقد قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (١).

بَيْدَ أنا نقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان عربياً كان بحكم الضرورة يتكلّم بلسان العرب. فلزم أن يكون المتَلَقُّون منه الشريعة بادئ ذي بدء عرباً. فالعرب هم حملة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها، وهم من جملتهم. واختارهم الله لهذه الأمانة لأنهم يومئذ امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم. وتلك هي جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم.

فهم بالوصف الأول أهلٌ لفهم الدين وتلقينه.

وبالوصف الثاني أهل لحفظه وعدم الاضطراب في تلقّيه.

وبالوصف الثالث أهل لسرعة التخلّق به، إذ هم أقرب إلى الفطرة السليمة ولم يكونوا على شريعة معتد بها متماثلة حتى يصمِّموا على نصرها (٢) *.

وبالوصف الرابع أهلٌ لمعاشرة بقية الأمم، إذ لا حزازات بينهم وبين الأمم الأخرى. فإن حزازات العرب ما كانت إلّا بين قبائلهم، بخلاف حال الفرس مع الروم، وحال القبط مع الإسرائيليين. ولا عبرة بما جرى بين بعض قبائل العرب وبين الفرس والروم في نحو


(١) الأنعام: ١٢٤. وبالجمع قرأها الجمهور (رسالاته)، وقرأها ابن كثير وحفص عن عاصم بالإفراد. ولما كان المراد الجنس استوى الجمع والمفرد. ابن عاشور. التحرير والتنوير: ٨/ ١، ٥٥.
(٢) * من أجل ذلك كان نصارى العرب أبعدهم عن الدخول في الإسلام، لأنهم رأوا أنفسهم على دين قويم. ومن أجله صمم اليهود بالمدينة على ملازمة دينهم إلا نفراً قليلاً. اهـ. تع ابن عاشور.

<<  <  ج: ص:  >  >>