للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرض أحكام متساوية فيه. ويكون ذلك موكولاً إلى النظم المدنية التي تتعلق بها سياسةُ الإسلام لا تشريعه. ففي المقام الأول قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} (١)، وفي المقام الثاني قول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} (٢).

فالمساواة في التشريع للأمة ناظرةٌ إلى تساويهم في الخلقة وفروعها، ممَّا لا يؤثر التمايز فيه أثرًا في صلاح العالَم. فالناس سواء في البشرية "كلكم من آدم" (٣)، وفي حقوق الحياة في هذا العالم بحسب الفطرة ولا أثَرَ لما بينهم من الاختلاف بالألوان والصور والسلائل والمواطن. فلا جرم نشأ عن هذا الاستواء فيما ذكر تساويهم في أصول التشريع، مثل حق الوجود المُعَبَّر عنه بحفظ النفس وحفظ النسب، وفي وسائل الحياة المعبَّر عنها بحفظ المال. ومن أول ذلك حقوق القرار في الأرض التي اكتسبوها أو نشأوا فيها مثل مواطن القبائل، وفي أسباب البقاء على حالة نافعة وهو المعبَّر عنه بحفظ العقل وحفظ العرض.

وأعظم ذلك حق الانتساب إلى الجامعة الدينية المعبَّر عنه بحفظ الدين. ووسائل كل ذلك ومكمَّلاته لاحقةٌ بالمُتوسَّل إليه وبالمكمَّل. فظهر تساوي الناس في نظر التشريع في الضروري


(١) النساء: ٣٥.
(٢) الحديد: ١٠.
(٣) ويروى: "كلكم بنو آدم". والحديث حسن، يرويه البزار عن حذيفة. المناوي. فيض القدير: ٥/ ٣٧، ٦٣٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>