للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك لم يجز أن تكون الزواجرُ والعقوباتُ والحدودُ إلَّا إصلاحاً لحال الناس بما هو اللّازم في نفعهم دون ما دونه ودون ما فوقه، لأنه لو أصلحهم ما دونه لما تجاوزته الشريعةُ إلى ما فوقه، ولأنه لو كان العقابُ فوق اللازم للنفع لكان قد خرج إلى النكاية دون مجرد الإصلاح. ولهذا كان معظم العقوبات أذًى في الأبدان لأنه الأذى الذي لا يختلف إحساس البشر في التألم منه، بخلاف العقوبة بالمال فإنها لم تَجِئْ في الشريعة، وإنما جاء غرم الضرر (١). فلو نزلت الجنايات التي لم يثبت لها عقاب في الشريعة وكان الباعث عليها حب الاستكثار من المال لم يكن بعيداً في نظر المجتهد أن يعاقب عليها بمصادرة مالية، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عقاب رويشد الثقفي الذي كان اتخذ بيته حانة يجمع إليها الشِّرب لمعاقرة الخمر. فقد أمر عمر بحرق ذلك البيت (٢)، وقد روى يحيى عن مالك أن تحرق بيت


= {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} النساء: ٤٣، ثم قوله جل وعلا: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة: ٩٠.
(١) يرجع غرم الضرر إلى القاعدة الفقهية العامة: (الضرر يزال). انظر: الصور التطبيقية لذلك. أحمد الزرقا. شرح القواعد الفقهية: ١٢٥، المادة: ٢٠، القاعدة الثانية. السبكي. الأشباه والنظائر: ١/ ٤١؛ الأتاسي. شرح المجلة، المادة ٢٠: ٥٣.
(٢) الأصل في الإحراق: أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهدم مسجد الضرار وإحراقه لما كان تفريقاً بين المؤمنين ومأوى للمنافقين. انظر ابن تيمية. الحسبة في الإسلام: ٥٥؛ ابن القيم. الطرق الحكمية: ٢٥٠ - ٢٥٨؛ زاد المعاد: ٣/ ٥٧٢؛ ابن فرحون. التبصرة: ٢/ ٢٠٣؛ عبد العزيز عامر. التعزير في الشريعة الإسلامية: ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>