للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولاء فإنما الولاء لمن أعتق" (١)، إذ لا يخفى على المتأمل أن ما يلوح فيه من الحيلة إنما هو حيلة على بائع بريرة. ولنا في بيان توجيه معناه تحرير ذكرناه في كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ (٢). وقد تقدم شيء منه في بحث انتصاب الشارع للتشريع (٣).

وبعد، فمن الغفلة أن يُقاس على مثل هذه الحيل فَتُجعلَ أصلاً للقياس عليها، مع تحقق أن الحيلة لا تشتمل على معنى وحكمةٍ تصحح القياس عليها، إذ قد اتفقنا على أن الحيلة مخالفة للحِكَم ومُفيتة للمقصد. ولذلك سميت حيلة. فكيف نجعلها أصلاً للقياس عليها! وكيف يُلحِق بها النظائرَ من يمنع القياس على الرخص!

وقد اتضح لك من الأمثلة المتقدمة الفرقُ بين أن يستعمل الفعل المتحيَّل به بصفة كونه سبباً لتحصيل مسبّبه فيفوّت مسبّب سبب آخر، وبين استعماله الحيلة بصفة كونها مانعاً من فعل آخر سواءً كانت مع ذلك سبباً في فعل لا يشبه الفعل الذي قام له المانع أم لم تكن سبباً في شيء. فزده إتقاناً بتكثير أمثلته.


(١) تقدم: ١١٥/ ١.
(٢) انظر ذلك في: فصل "من لا ميراث له" من كتاب الفرائض. فهو بعد نقله كلام الباجي في هذا الموضوع، ومقالة الزرقاني أفاد بنقله عن جده الوزير أن قوله تعالى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} الأحزاب: ٥، يراد منه الولاء المطلق وهو الأعم ولا يرث به إلا الرجال. فليست المرأة مستحقة إياه، وإنما ثبت لها ميراث خاص بالعتق. وهو ولاء خاص بحديث بريرة. ابن عاشور. كشف المغطى: ٢٤٢ - ٢٤٤.
(٣) تقدم للمؤلف كلام في هذا حيث جعل مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة من باب الإشارة عليها بحق شرعي وليست تشريعاً أو فتوى، ولو كان كذلك للزم الشرط وكان معارضاً لما في خطبته: "إن الولاء لمن أعتق": ١١٥/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>