للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تشريع عام في أنواع من التشريعات مستثناة من أصول كان شأنها المنع، مثل السَّلَم والمغارسة والمساقاة، فهذه مشروعة باطِّراد. وكان ما تشتمل عليه من أضرار وتوقع ضياع المال مقتضياً منعَهَا لولا أنّ حاجات الأمة داعيةٌ إليها، فدخلت في قسم الحاجي، كما قال الشاطبي في مبحث الرخصة والعزيمة (١) *، فكان حكمها حكم المباح باطَّراد.

وكذلك وجدنا من الضرورات ضروراتٍ خاصةً موقتة جاء بها القرآن والسنة كقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (٢). وقد اقتصر الفقهاء عليها في تمثيل الرخصة.

وبينَ القسمين قسم ثالث مغفول عنه وهو الضرورة العامة الموقّتة. وذلك أن يعرض الاضطرار للأمة أو طائفة عظيمة منها، تستدعي إباحة الفعل الممنوع لتحقيق مقصد شرعي مثل سلامة الأمة، وإبقاء قوتها، أو نحو ذلك. وهذا التوقيت وهذا العموم في هذا القسم مقول على كليهما بالتفاوت. ولا شك أن اعتبار هذه الضرورة عند حلولها أولى وأجدرُ من اعتبار الضرورة الخاصة، وأنَّها تقتضي تغييراً للأحكام الشرعية المقرِّرة للأحوال التي طرأت عليها تلك الضرورة.

وليست أمثلةُ هذا النوع من الرخصة بكثيرة. فمنها الكراء المؤبّد الذي جرت به فتوى علماء الأندلس: ابن سراج (٣)


(١) * نفس المصدر: صفحة ١٨٠، جزء ١، طبع تونس. اهـ. تع ابن عاشور [= (٢) ١/ ٢١٠ = (٣) ١/ ٣٠٢ = (٤) ١/ ٤٦٤].
(٢) البقرة: ١٧٣.
(٣) هو أبو القاسم محمد بن سراج الغرناطي ٨٤٨ بغرناطة. مفتيها وقاضي الجماعة بها. حامل لواء المذهب مع التحصيل. أخذ عن ابن لب والحفار وابن علاق وجماعة، وعنه أبو يحيى بن عاصم والسرقسطي =

<<  <  ج: ص:  >  >>