للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحكام الشريعة من المؤتمنين عليها عند تحقق ضعف الوازع أو رقة الديانة أو تفشي الجهالة. وفي نصوص الشريعة ما يسمح بذلك, لأن معظم الخطاب القرآني في مثل هذه الأمور ورد بضمائر الجمع الصالحة لاعتبار التوزيع أو لاعتبار مخاطبة جماعة المسلمين، أي أولياء أمورهم. فنجعل هذا الأسلوب في الخطاب إيماء إلى إعداد الجماعة للإشراف على تلك الحقوق. ولهذا أحدث عمر بن الخطاب ولاية الحِسبة (١) وجعلها غير ولاية القضاء, لأن من الحقوق ما قصدت الشريعةُ حفظَه، وليس في تفريطه تضرُّرُ شخصٍ معين حتى يقوم لدى القاضي أو يكون المتضرَّر من تفريطه ضعيفاً عن القيام بحقه.

واعلم أن الوازع الديني ملحوظٌ في جميع أحوال الاعتماد على نوعي الوازع. فإن الوازع السلطاني تنفيذ للوازع الديني، والوازع الجبلي تمهيد للوازع الديني. فالمهم في نظر الشريعة هو الوازع الديني اختيارياً كان أم جبرياً. ولذلك يجب على ولاة الأمور حراسة الوازع الديني من الإهمال، فإن خيف إهمالُه أو سوءُ استعماله وجب عليهم تنفيذُه بالوازع السلطاني.


(١) الحسبة من أعظم الخطط الدينية. وهي - بين خطة القضاء وخطة الشرطة - جامعة بين نظر شرعي ديني وزجر سياسي سلطاني. ولعموم مصلحتها وعظيم منفعتها تولى أمرها الخلفاء الراشدون والأمراء المهتدون. ثم أوكل عمر بن الخطاب أمرها إلى ابنه عبد الله ولم يلبث أن عزله لما أخبر أنه فيه شفقة. وولي بعده هذه الخطة من المحتسبين أو أصحاب السوق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن أبي عبيد مسعود الهذلي ٩٨ هـ مفتي المدينة واحد الفقهاء السبعة. الصنهاجي: ١/ ٨٩؛ الزركلي: ٧/ ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>