للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضربه ابن عمرو، فلما شكاه إلى عمر قال له عمر: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً". فإن ابن عمرو جرى عليه اعتداء خطأ بوطء ثوبه، إذ ربما اتسخ الثوب أو هلهل. ولكنه لما باشر الانتصافَ لنفسه بنفسه تجاوز عن حدِّ الحق فعامل غيرَه معاملةَ عبد له، ثم أذن عمر المعتدى عليه بأن يقتص من ولد عمرو بن العاص فضربه ضربات بمقدار ما ضربه ابن عمرو (١). ومن أجل هذا كان السجن موكولاً للحكام. وليس لغيرهم السجن، لما فيه من التسلط على الحرية، وكذلك التغريب.

وقد حاطت الشريعة في كثير من تصاريفها حرية العمل بحائط سدِّ ذرائع خرم تلك الحرية. كما منعت وكالة الاضطرار، وهي توكيل المدين ربَّ الدين على بيع ونحوه عند محل الأجل (٢)، وكما منعت


(١) ونص خبر عمر مع المصري كما أخرجه ابن عبد الحكم عن أنس بن مالك: "أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم. قال: عذت معاذاً. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم. فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضربه. فجعل يضربه بالسوط. ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب. والله لقد ضربه ونحن نحبّ ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه. ثم قال للمصري: ضع على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني، وقد استقدت منه. فقال عمر: ومُذْ كم تعبَّدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟! قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم ولم يأتني". منتخب كنز العمال: ٤/ ٤٢٠؛ الكاندهلوي. حياة الصحابة: ٢/ ٩٧.
(٢) أشار الدردير إلى هذه المسألة في باب الرهن عند قوله: وللأمين، الذي وضع الرهن تحت يده، بيعه إن أذن له كالمرتهن بعده. وقال: إن للأمين بيع الرهن في الدين إذا أذن له الراهن في بيعه، ولو في عقد الرهن سواء =

<<  <  ج: ص:  >  >>