والتقصير في إيجاد الاجتهاد يظهر أثرهُ في الأحوال التي ظهرت متغيّرة عن الأحوال التي كانت في العصور التي كان فيها المجتهدون، والأحوال التي طرأت ولم يكن نظيرها معروفاً في تلك العصور، والأحوال التي ظهرت حاجة المسلمين فيها إلى العمل بعمل واحد لا يناسبه ما هم عليه من اختلاف المذاهب، فهم بحاجة في الأقل إلى علماء يُرجِّحون لهم العمل يقول بعض المذاهب المقتدى بها الآن بين المسلمين ليصدر المسلمون عن عمل واحد. وفي كل هذه الأحوال قد اشتدّت الحاجة إلى إعمال النظر الشرعي والاستنباط والبحث عمَّا هو مقصد أصلي للشارع وما هو تبع، وما يقبل التغيّرَ من أقوال المجتهدين وما لا يقبله.
ونستعرض هنا أمثلة إجمالية. منها مسائل بيع الطعام، ومسائل المقاصّة، ومسائل بيوع الآجال، ومسألة كراء الأرض بما يخرج منها، ومسألة الشفعة في خصوص ما يقبل القسمة، ففي كثير منها تضييق.
وإن أقلّ ما يجب على العلماء في هذا العصر أن يبتدئوا به من هذا الغرض العلمي هو أن يسعَوا إلى جمع مجمع علمي يَحْضُرُهُ من أكبر العلماء بالعلوم الشرعية في كل قطر إسلامي على اختلاف مذاهب المسلمين في الأقطار، ويبسطوا بينهم حاجات الأمة ويصدروا فيها عن وفاقٍ فيما يتعين عمل الأمة عليه، ويُعلموا أقطار الإِسلام بمقرراتهم؛ فلا أحسب أحداً ينصرف عن اتباعهم (١)
(١) لعل في إنشاء مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي وفي تأسيس غيره من المجامع الفقهية في كثير من البلاد في هذا العصر تحقيقاً، بإذن الله، لهذا القصد.