للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه تعارُضُ لفظ الواقف مع مقصده إذا قام على مقصده دليل غيرُ لفظه، وكان لفظه يخالف ذلك. ولذلك قال الفقهاء: إذا استقامت المعاني فلا عبرة بالألفاظ.

وقد تتعدد الوسائلُ إلى المقصد الواحد، فتعتبر الشريعةُ في التكليف بتحصيلها أقوى تلك الوسائل تحصيلاً للمقصد المتوسَّل إليه بحيث يحصل كاملاً، راسخاً، عاجلاً، ميسوراً، فتُقدِّمها على وسيلة هي دونها في هذا التحصيل.

وهذا مجال مُتسِّع ظهر فيه مصداقُ نظر الشريعة إلى المصالح، وعصمتها من الخطإ والتفريط. ولم أر من نبّه على الالتفات إليه. وأحسب أن عظماء المجتهدين لم يغفلوا عن اعتباره. ويجب أن يكون تَتبع أساليب مراعاة الشريعة لهذا الأصل من أكبر ما يهتم به المجتهدون والفقهاء في الاستنباط والتشريع وتعليل الشريعة، وما يهتمُ به القضاة والولاة في تنفيذ الشريعة، فإنه متشعب متفنن.

فإذا قدَّرنا وسائلَ متساويةً في الإفضاء إلى المقصد باعتبار أحوالِه كلِّها سوّت الشريعةُ في اعتبارها، وتخيَّر المكلّفُ في تحصيل بعضها دون الآخر، إذ الوسائل ليست مقصودة لذاتها، مثاله قوله تعالى: {فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} (١). فهذا خطاب للناس والمقصود منه حصول هذا العقاب. فإذا قام به وليُّ المرأة أو قام به زوجها أو قام به القاضي كان ذلك سواء. فإذا عرضت أحوالٌ في الناس أضعفت سلطةَ ولي المرأة أو سلطة الزوج، كان تكليفُ القضاة بمباشرة ذلك متعيّناً, لأنه أوقعُ في دوام ذلك الإمساك وتعجيله وعدم اختلاله. فإنا نجد في الأزمان التي بلغ فيها نظام القضاة أقصى حدِّه


(١) النساء: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>