المحامد والغايات السامية التي أثمرتها هذه الداعية صيرت جذرها الأول شيئاً ضئيلاً في جنب ما حبي به من عظيم الكمالات. فأصبح بحق مشرَّفاً بشرف آثاره ونتائجه.
وقد أشار إلى هذا التطور قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(١).
فاعتبر قوله:{مِنْهَا} وقوله: {لِيَسْكُنَ} وقوله: {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} وقوله: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} وقوله: {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}، فإن ذلك كله مظاهر اهتداء إلى ما في تلك الحالة من الفضائل والعواقب الصالحة.
كما تكون تلك الداعية الشهوانيّة أمراً ذميماً إذا حفّت بها آثار قبيحة سيئة مثل مفاسد الزنا والبغاء والوأد والاستهتار والتهتك. وتلك المذمات قد كانت مغضوضاً عن قبحها في الجاهلية كما في بعض العوائد السخيفة. أخرج البخاري في صحيحه من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها:"أنها أخبرته أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء:
فنكاح منها هو نكاح الناس اليوم يخطبُ الرجل إلى الرجل وَلِيَّتَه أو ابنته فَيُصْدِقها ثم يَنكِحها.
ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهُرت من طَمْثِها: "أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه"، ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه. فإذا تبيَّن حملُها أصابها زوجها إذا أحب. وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع.