للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضرر، قصداً في جميع ذلك إلى تسهيل المبادلة لتيسير حاجات الأمة، وقد دلّ على ذلك قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} (١).

وتختلف أنواع المتمولات في سهولة رواجها اختلافاً عظيماً. والأصلُ في سهولة الرواج يعتمد خفّةَ النقل، وقبولَ طول الادّخار، ووفرةَ الرغبات في التحصيل، وتيسرَ التجزئة إلى أجزاء قليلة. فالحبوب من القمح والشعير ونحوهما أيسر رواجاً من التمر والزبيب والتّين المجفّف، وأخف نقلاً، وأطول ادخاراً، وأكثر مرغوبية، وأيسر تجزئة. والفواكه دون ذلك في جميع هذه الصفات. والألبان واللحوم ضعيفة في جميعها. والسَمن والعسل مستويان في صفة الادّخار والنقل، ومختلفان في وفرة المرغوبية. والأنعام أقوى في وفرة المرغوبية وخفة النقل، وأعسر ادّخاراً وتجزئة. والرباع والعقار دون غيرها في معظم الصفات عدا صفة المرغوبية. فإن الناس في اقتنائها أرغب، وعدا صفة الادّخار لأن الخطر عنها أبعد.

وأهم ما اصطلح عليه البشر في نظام حضارتهم المالية وضع النقدين أعواضاً للتعامل. فقد كان التعامل الطبيعي في البشر يحصل بالتعاوض في الأعيان بحسب الاحتياج الباعث على الرغبة في صنف من أصناف الأشياء المنتفع بها. وكلّما قرب قوم من البداوة والبساطة قلّ التعامل بالنقدين بينهم. وهو المعنى الذي من أجله نرى الفقهاء يقسمون الناس إلى أهل ذهب وأهل فضة، وأهل أنعام، وكان من


= كتاب البيوع، ٣٧ باب البيع على البرنامج، ح ٧٨. طَ: ٢/ ٦٧٠. وتفصيل القول فيه في مختلف المذاهب في الاستذكار: ٢٠/ ٢١٠ - ٢١٨.
(١) البقرة: ٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>