للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أموال أصحاب الأموال وأعمال المقتدرين على العمل ليحصل من مجموع ذلك إنتاج نافع للفريقين.

وكان من حِكمة التشريع الإِسلامي أن لا يوصد في وجوه الفريقين سلوك الطرق المثلى من تلك الطرائق بوجه عادل مع الغضَّ عمّا يتطرق ذلك من مخالفة مّا للتشريعات التي بُنيت عليها أحكامُ المعاملات المالية في المعاوضات.

إن المعاملات المنعقدة على عمل الأبدان هي إجارة الأبدان، والمساقاة، والمغارسة، والقِراض، والجُعل، والمزارعة. وهي كلُّها عقودٌ على عمل المرء ببدنه وعقله، وعلى قضاء وقت من عمره في ذلك، ما عدا المغارسة، فإن فيها إحضار متموِّل قليل من جهة عاملها، وهو الأعواد المغروسة إلَّا أنّها تافهة بالنسبة إلى أهمية العمل. وكذلك ما يحصل في المساقاة بقلّةٍ من إصلاح دلو وإصلاح الحوض.

فهذه العقود لا تخلو من غرر لعسر انضباط مقادير العمل المتعاقد عليه، وعسر معرفة العامل ما ينجر إليه من الربح من جراء عمله، ولعسر انضباط ما ينجر إلى صاحب المال فيها من إنتاج أو عدمه، غير أن الشريعة ألغت هذا الغرر لأن إضرار مراعاته أشدُّ من إضرار إلغائه، لِمَا في مراعاته من حرمان كثير من الأمة فوائد السعي والاكتساب. وهي أيضاً لا تخلو من إضرار يلحق العامل في أحوال كثيرة، إذا عمل عمله في المساقاة أو المزارعة فلم يثمر الشجر، أو عمل في الجُعل فلم يحصل المجاعل عليه، أو عمل في القِراض فلم يَنضّ ربح. فيكون العامل قد أضاع الوقت وتجشم مشقة العمل ولم يحصل له شيء. وقد ألغت الشريعة هذا لأن بقاء أهل العمل بطالين أشدُّ عليهم من أضرار الخيبة في بعض الأحوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>