للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ قد كان العَمَلَة في هذه العقود هم مظنّةَ الحرص على التعجل بانعقاد هذه العقود، من جراء حاجتهم إلى الارتزاق، وكونهم لا يستطيعون لذلك حيلة إلا بعمل أبدانهم، ولطالما رأيناهم يقحمون أنفسهم في التعاقد على أعمال تنوء بهم حين لم يجدوا ما يعملون فيه، فلو ضيّق عليهم الشروطَ أصحابُ الأموال الذين يمدّونهم بما يعملون هم فيه لتعطّل عليهم الارتزاق من أعمالهم، أو لأَقدموا على ذلك عند التعاقد وعجزوا عن الإيفاء بها، فتحدث بذلك الخصومات بينهم. ولكان شعور أصحاب الأموال بحاجة العَمَلَة إلى العمل مظنّةَ أن يغريَهم على الرغبة والحرص في زيادة الإنتاج لأنفسهم والإجحاف باستثمار العَمَلَة، كان مقصدُ الشريعة في هذه المعاقدات كلها الحياطة لجانب العَمَلَة لسدّ هذه الذريعة عنهم، كيلا يذهب عملهم باطلاً أو مغبوناً. ولم تر معذرة لأصحاب الأموال في هذا التضييق, لأن لهم طرائق شتى يستثمرون بها أرباح أموالهم. فهم في خيرة من استعمالها أو اكتنازها للإنفاق منها وتقتيرها، بخلاف حال العَمَلَة، فهم إن حرموا مساعدةَ أصحاب الأموال بقوا عاطلين.

ولا يظنَّنَ أحد أن الشريعة تستبيح أموال أصحاب الأموال ليأكلها العَمَلَةُ باطلاً، ولكنّها أرادت حراسة حقوقهم من الاعتداء عليها. فذلك عدل وصلاح للفريقين كليهما.

ولقد استقريت ينابيع السنة في هذه المعاملات البدنية على قلّة الآثار الواردة في ذلك (١) *، وتتبعت مرامي علماء سلف الأمة وخاصة علماء المدينة في شأنها، فاستخلصت من ذلك: أن المقاصد الشرعية فيها ثمانية.


(١) * لقلة أنواع المعاملات على الأبدان في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ كانت الثروة بسيطة. اهـ. تع ابن عاشور.

<<  <  ج: ص:  >  >>