للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علمنا ذلك من أدلة في السنّة، ومن كلام علماء الأمة. ففي الحديث الصحيح: "أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغناء وتخشى الفقر، ولا تترك حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا" (١). وهذه الحالة تقتضي التأمل والعزم دون التردد إلى وقت المضيق. ويتحقق حصول مهلة النظر بأحد أمرين هما التحويز والإشهاد.

وقد كان اشتراط الحوز في التبرّعات ناظراً إلى هذا المقصد، بحيث لا يعتبر انعقاد عقد التبرع إلا بعد التحويز دون عقود المعاوضات. ولذلك كان حدوث مرض الموت قبل تحويز العطية مُفيتاً لها وناقلاً إياها إلى حكم الوصية. ففي الموطأ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "إن أبا بكر الصديق كان نحلها جادّ (٢) * عشرين وسقاً من ماله بالغابة. فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بُنية ما من الناس [أحد] أحبُّ إليَّ غنى بعدي منك، ولا أعزُّ عليّ فقرًا بعدي منك. وإني كنت نحلتكِ جادّ عشرين وسقاً فلو كنت جدَدْتيه واحتزْتيه كان لك. وإنما هو اليوم مال وارِث [وإنما هما أخواك


(١) حديث أبي هريرة وله طريقان عند مسلم: الأول حدّث به جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة، والثاني حدّث به ابن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة عنه: ١٢ كتاب الزكاة، ٣١ باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، ح ٩٢، ٩٣. مَ: ١/ ٧١٦؛ انظر ٢٣ كتاب الزكاة، ٦٠ باب أي الصدقة أفضل، ح ٢٥٤٠، ٢٥٤٢. نَ: ٥/ ٦٨، ٦٩؛ ٣٠ كتاب الوصايا، ١ باب الكراهية في تأخير الوصية، ح ٣٦٠٩. نَ: ٦/ ٢٣٧؛ انظر ٢٢ كتاب الوصايا، ٤ باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير بعد الموت، ح ٢٧٠٦. جَه: ٢/ ٩٠٣.
(٢) * جاد بجيم ودال مهملة مشددة اسم فاعل بمعنى اسم مفعول، أي مجدود أي مقطوع. اهـ. تع ابن عاشور.

<<  <  ج: ص:  >  >>