للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمون بثمرتها على تفصيل في شروطها. فلا شبهة في أن مقاصد الشريعة إكثار هذه العقود.

فكيف يقول شريح (١) * بحظر التحبيس؟! وقد قال مالك لمّا أُخبر بمقالة شريح: "رحم الله شريحاً تكلّم ببلاده ولم يَرِد المدينة فيرى آثار الأكابر من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين بعدهم وما حبّسوا من أموالهم. وهذه صدقات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعُ حوائط. وينبغي للمرء أن لا يتكلم إلا فيما أحاط به خَبراً" (٢).

المقصد الثاني: أن تكون التبرعات صادرة عن طيب نفس لا يخالجه تردّد, لأنها من المعروف والسخاء، ولأن فيها إخراج جزء من المال المحبوب بدون عوض يخلفه. فتمحّض أن يكون قصد المتبرع النفعَ العام والثوابَ الجزيلَ. ولذلك كان من مقصد الشارع فيها أن تصدر عن أصحابها صدوراً من شأنه أن لا تعقبَه ندامة حتى لا يجيء ضر للمحسن من جراء إحسانه فيحذر الناس فعل المعروف، إذ لا ينبغي أن يأتي الخير بالشر كما أشار إليه قول الله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} (٣). فطيب النفس المقصود في التبرّعات أخص من طيب النفس المقرّر في المعاوضات.

ومعنى ذلك أن تكون مهلة لزوم عقد التبرّع عقب العزم عليه وإنشائه أوسع من مهلة انعقاد عقود المعاوضة ولزومها.


(١) * هو شريح بن الحارث الكندي من التابعين استقضاه علي على الكوفة، واستعفَى في زمن الحجاج. وتوفي سنة ٧٩ هـ وهو ابن مائة وعشرين سنة. وقيل: استقضاه عمر.- تقدمت ترجمته: ٤٣/ ٢ - . اهـ. تع ابن عاشور.
(٢) انظر: ابن رشد. المقدمات: ٢/ ٤١٨.
(٣) البقرة: ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>