للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمحل بسط الاستدلال على ذلك (١) * لأنه من علائق أصول الدين أو علم السياسة الشرعية.

إن أهمّ المقاصد لتهيئة إقامة الشريعة وتنفيذها هو بثُّ علومها، وتكثيرُ علمائها وحملِتها. وذلك فرضُ كفاية على الأمة بمقدار ما يسدّ حاجتها ويكفي مهماتها في سعة أقطارها وعظمة أمصارها. وقد استودع الله هذه الأمة كتابه مشتملاً على شرائع عظيمة تأصيلاً وتفريعاً. والرسول عليه الصلاة والسلام أمرَ أمتَه في مشاهد كثيرة بأن يبلّغ الشاهد الغائب (٢)، وحثّ من يسمع مقالته على أن يعيها ويؤديها كما سمعها (٣). فلم يتلبَّث سلف الأمة في إكثار مصاحف القرآن في أمصار الإِسلام، ثم في تدوين سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي بلّغها عنه ثقات أمته، ثم تدوين آراء أئمة الإِسلام المعبَّر عنها بالفقه، ثم يتبع ذلك صفاتُ حملةِ الشريعة.

وتعين لتحقيق تنفيذ الشريعة إيقاعُ حرمتها في نفوس الأمة. وإن يقين الأمة بسداد شريعتها تجعل طاعتَها منبعثة عن اختيار. وأعظم الشرائع في يقين أمتها بسدادها شريعة الإِسلام، إذ قد قامت الأدلة القاطعة على أنها معصومة لأنها مستندة إلى الوحي. ولذلك لم يزل علماء الأمة حريصين على إرجاع القوانين إلى أدلة الكتاب والسنة. قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا


(١) * مثل قوله تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}. الحجرات: ٤٩، وقوله: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}. النساء: ٣٥. وانظر كتابي المسمى بنقد علمي. اهـ. تع ابن عاشور.
(٢) تقدم تخريجه: ١٠١/ ١.
(٣) هذا تمام الحديث السابق، وقد تقدم: ١٣٩/ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>