للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذه الصورة المختصرة جداً، التي تشي بالغليان الفكري الذي أوجده اختلاف الملل والنحل في ذلك الوقت، وبما كان لرؤساء هذه الفرق من تأثير بالغ في كثير من الأوساط الشعبية التي تنازعتها نماذجُ مذاهب الباحثين في الكلام والعقيدة.

أولها: مذهب أهل السنة، من سلفية وخلَفية، الذي يقوم على المصادر الأساسية الإسلامية التي ألمعنا إليها قبل. وأصحاب هذا الاتجاه هم الصحابة والتابعون وتابعوهم ومن نهج منهجهم بعد ذلك من أهل الحديث ومتقدمي الفقهاء والحنابلة والظاهرية.

ثانيها: مذهب المكفِّرين بالكبائر. وهم الخوارج. وخالفتهم المعتزلة وهم فلاسفةُ المتكلمين القائلين بالمنزلة بين المنزلتين، والذين كانوا حريصين على إثبات العقائد بالأدلة البرهانية، وأفرطوا في ذلك.

ثالثها: مذهب القائلين بالقَدَر والجبر. وقد انساق وراءهم جمهور المتصوّفة الذين زيّنوا للعامة مقالاتهم.

وتوسَّطت بين هذه الفرق فرقة رابعة كان منزعها تأييد مذهبها الشرعي بالفلسفة. وقامت مدرسة هؤلاء على الأشعرية والماتريدية فتعرضوا لسخط السلفيين الذين اعتبروهم من المرجئة، ولغضب المعتزلة الذين اتهموهم بالجبرية. ولإقبال أكثر هذه الفرق على الفلسفة وآلتها وهي المنطق، تعرّضوا لنقد كبار العلماء ممن ذموا الفلسفة منذ القديم لزلزلتها أصول الإيمان الفطري والأدلة الإقناعية، كما لقوا من خصوم آلة المنطق التي استخدمها الفلاسفة مَن أوسَعهم ذماً كالإمام الشافعي الذي يقول: "إذا سمعت أحداً يقول: هل الاسم عين المسمّى أو غيره؟ فاعلم أنه من أهل الكلام ولا دين له" (١).


(١) محمد الطاهر ابن عاشور. أليس الصبح بقريب: ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>