للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممّا روي عنه في ذمّ علم الكلام قوله: "ولقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما توهّمته قط، ولأن يُبتلى المرء بجميع ما نهى الله عز وجل عنه، سوى الشرك بالله، خير من أن يبتليه الله عز وجل بالكلام" (١). وقال الزعفراني: سمعت الشافعي يقول: "حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل منكَّسين، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنّة وأخذ بالكلام" (٢). ومما رووا عنه في ذم الجدل:

لم يبرح الناس حتى أحدثوا بِدَعاً ... في الدين بالرأي لم تُبعث بها الرسلُ

حتى استخفّ بدين الله أكثرهم ... وفي الذي حملوا من حقه شغل (٣)

إن هذه المعركة الكلامية تنطفىء معها أصول العقيدة السمحة، وتكاد تنمحي بسبب غلبة الجدل والمناقشات الفكرية التي سندها طُرقُ البحث والنظر الشائعة يومئذ. وفي هذا يكمن تدلّي علم الكلام واحتياج الأمر فيه إلى التنبيه على جملة أسباب يتأكد الانصراف عنها وتحاشيها لرجوع هذا العلم إلى حقيقته بين المسلمين، وقيامه بوظيفته لديهم. فمن ذلك الاختلاف في الاصطلاحات والصفات وتعددها، والغلو في التنزيه، والقول بما لا يعقل واعتقاده، والتنابز وإلزام لوازم المذهب، وإدخال أشياء في التوحيد ليست منه.

وقد قامت حركة محاولة الإصلاح أولاً على يدي أبي بكر الباقلاني وإمام الحرمين عبد الملك الجويني حين فصلا الفلسفة عن الاعتقاد، ووجَّها هذا العلم بتوجيه العقيدة الإسلامية بما يوافق الحجج المنطقية، ثم بسلوك الإمام الغزالي في الصراط المستقيم


(١) الرازي: مناقب الإمام الشافعي: ٩٩.
(٢) المرجع السابق.
(٣) المرجع السابق: ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>