للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم من قوانين في العبادات والمعاملات. وأساس هذا التحديد والضبط الإيمان بالله، والاستسلام إليه، والامتثال لحكمه، والتوجه بالعبادة وإخلاص الدين له. فالعبادة في الإسلام، بجميع صورها ومختلف أشكالها، أفعال وأقوال تزكّي النفس وتَبلغ بها حدّ التميُّز والكمال. وهي الحكمة والمقصد الشرعي الذي تقتضيه الفطرة، وتَتَحقق به المصلحة. ويقارن الفطرة في الشريعة الإسلامية وصفان ثابتان هما العموم والدوام. فهي لا تتخلّف، ولكن تتعدد. وعند تعارض المعنيين تحمل على الركون إلى اختيار أعرقهما في المعنى الفطري، وأليقهما بالانتشار بين الناس، وأدومِهما بينهم. وهكذا تقتضي الفطرة وجود أوصاف تحرص على توافرها في تصرفات الناس ومعاملاتهم، يوحي بها قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (١). وجاء في الأثر: "خير الأمور أوسطها"، وقال زهير:

همُ وَسَطٌ يَرضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

وفي سلوكيات المسلمين في عباداتهم، ما يرفع من شأن الإنسان، ويزيده زكاءً وطهراً. ولئن ظهرت في تلك الممارسات ما يجعل من الصفات المشار إليها ما هو أعظم نفعاً وأبقى أثراً، فإنه غير خافٍ أنه لا تدرك أسرار ذلك غير طائفة تنساق إلى الفطرة وتتجاوب معها. فالمعاملات أوضح حقائق، وأقرب ملتمساً. وهي ثلاثة أنواع:

الأول: ما يتعامل به الناس في خاصّة أنفسهم، ويدعوهم إلى التعامل به على الوجه المطلوب ما يقتضيه الاعتبار من تحقق النتائج


(١) سورة البقرة: الآية ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>