فإذا ابتعد الإصلاح عن هذا الخط، وانبنى على ما تزيّنه الأهواء والاتجاهات المريبة تجافى عن الحق والصدق، وفقد مع ذلك المعنى الديني الذي هو أساسه، ولم نجد بعد الدعامة لتجديد أمر هذه الأمة الذي بشّر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ودعا شيخ الإسلام إلى الإصلاح الكامل حين ذكّر بمحاسن الدين، وبوجوب التمسك بعالميته. فكأنه يريد أن تنتشر - بين الناس كافة - المقاصدُ الطيّبةُ وما يسبقها من وسائل نافعة، ويتبعها من تحول وتغير يَظهر بهما الحقُّ على الباطل، والخيرُ على الشر، والأعمالُ الصالحةُ على المساوئ التي تزاحمها. ومما لفت الإمام النظر إليه، ودعا له، فضائل إسلامية وصفات تشريعية لا يتم صلاح الفرد ولا الجماعة إلا بالحصول عليها، والالتزام بها، مثل: السماحة والوسطية، والعدل والإحسان.
وحركة الإصلاح هذه لا بد أن تكون مستندة إلى معرفة، وإلى تفقُّهِ في الدين، ووقوف على خفاياه وأسراره. يشهد لذلك قوله عزَّ وجلّ:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}(١). حقائق سرمدية تتجدّد مع كل جيل، يحملها الدعاة إلى الله، يُسعِدون بها القلوب المتعلقة بربها، فلا تبرح معانيها القيّمة تنتقل من الدعاة المصلحين إلى قلوب مَن أُبلغوا الدعوة واتبعوا السبيل.
وقد ضبط الإمام الأكبر للأمة الإسلامية أحوال نظامها الاجتماعي في تصاريف الحياة كلها، تكملة للنظام الديني الذي هيأ أفراد الناس للاتحاد والمعاشرة. ثم دعا المؤمنين إلى تطبيق ما خطط