أنس وذكر أن طريقة الإمام مالك كانت جامعة بين التمحيص والتصحيح والتقرير والتحرير. وهكذا أثبت في موطئه ما صحّ عنده من الآثار المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما روي عن الخلفاء الراشدين، وفقهاء الصحابة، - ومَن بعدهم - من فقهاء المدينة، وما جرى عليه العمل عندهم. فجمع بين النصوص التشريعية من السنة الصحيحة، وبيّن استنباط الأحكام والتطبيقات وفتاوى الأئمة في ذلك العصر. ولتيسير الإفادة من هذا الكتاب جعله على أبواب الفقه كي يتسنّى لطلاب الأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات، ولِشُدَاة العلم والأدب أن يظفروا بسرعة. كلٌّ بما هو في حاجة إليه من ذلك الموطأ، وأن ينهلوا من ينابيعه العذبة ما فيه من شفاء للصدر وتزكية للنفس.
وتبويب الموطأ كان مثالاً جرى عليه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، كما سار مسلم على مثل ما سار عليه في تقسيمه جامعه الصحيح إلى كتب. وتعرّضت هذه المقدّمة إلى شروط الصحة عند أهل الأثر، وإلى طرق نقد الأخبار من جهتي الأسانيد والمتون. فنبّه إلى ما التزم به الإمام مالك من ذلك في كتابه، مع مقارنته بشروط الصحة عند الإمامين البخاري ومسلم.
وتميّز الموطأ ببعض العبارات والكلم والمصطلحات التي أطلقها صاحبه على بعض التصرّفات فيه كقوله: باب جامع، والأمر المجتمع عليه، والأمر الذي أدركت عليه أهل العلم، أو سمعته من أهل العلم، وقوله: فيما نرى، أو فيما أرى والله أعلم، وعلى مذهب من لقيته، وحتى وقع الحق، وهو شيء استحسنته من قول العلماء، ومالك عن رَجل، ومالك عن الثقة عنده، وما جاء في جواز كذا، وما جاء في تحريم كذا، ونحو ذلك.