وادعي من تصرّفات لم تكن قائمة إلا في أذهان المتوهّمين والحمقى من الناس. وكادت تستعر نار الفتنة بين أفراد طبقات الشعب. وتحوّل الصراع فيما بين المستعمر والمواطنين إلى ما كاد أن يقضي على وحدة الشعب وتماسك طبقاته وأفراده. وما هي إلا فترة حتى رفع الحجاب عن حقيقة تلك الفتوى، وظهرت للتونسيين فتوى عامة تحملُ في سطورها ونصوصها مواقف التأييد والمناصرة للشعب، والرفض لما كان يلتمسه المستعمر من الشيوخ من تيسير التجنيس وتسهيل أمره، بضمان حقوق للمتجنسينَ قد تنازلوا عنها بتجنّسهم وابتغائهم الانتساب إلى أمة غير أمتهم ووطن غير وطنهم.
وشاهدُ ذلك أولاً ما أجاب به فقهاء الحنفية بالإثبات في جواب مختصر على صيغة الاستفتاء المذكور أعلاه. واختلفت فتوى الدائرة المالكية عن فتوى الدائرة الحنفية إذ أضافت إلى وجوب النطق بالشهادتين لدى القاضي الشرعي التصريحَ في الوقت نفسه بأن (المتجنس) يتخلّى عن الجنسية الجديدة التي اعتنقها. وتضيف فتوى المالكية في تقرير مونصورن: ولا يهم كثيراً بعد ذلك لو احتفظ بالجنسية التي اعتنقها وبقي خاضعاً لقوانينها إذا ما تعذر عليه التخلّص منها. وزاد أحد أعضاء المجلس الشرعي من المالكية: ينبغي أن تتمثل توبة المتجنس في الإقلاع عن الامتيازات التي تحصّل عليها بموجب جنسيته الجديدة.
وعقَّب صاحب التقرير على هذين النصين من فتوى الأحناف وفتوى المالكية بقوله: لكن فتوى المالكية تجعل من المستحيل الإقدام على نشرهما. وفي هذا تبرئة للعلماء مما ألحق بهم، وتجنيب لهم مما وُصِمُوا به. وهذه شهادة من خَصمٍ لم يتمكن من الاستفادة من فتوى التجنيس أو ردة المتجنس، فأسرّها ولم يعلنها إلا في