للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما ذهب إليه ينقل عن صاحب الكشاف قوله: "فإن قلت: ما فائدة البدل؟ قلت: فائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير". ويدل هذا على أن فائدة الإبدال أمران يرجعان إلى التوكيد، هما ما فيه من التثنية بتكرار اللفظ، وما يقتضيه التكرير عند النحاة من تكرار العامل.

ويخلص من هذا الموضوع إلى قضية بلاغية هي أن إعادة الاسم في البدل أو البيان تكون من أجل أن يبنى عليها ما يراد تعلقه بالاسم الأول. ويظهر هذا في مثل قوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (١)، وقوله عز وجل: {رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} (٢). فإعادة فعل {مَرُّوا} وفعل {أَغْوَيْنَاهُمْ} وتعليق المتعلق بالفعل المعاد دون الفعل الأول تجد له من الروعة والبهجة ما لا تجده لتعليقه بالفعل الأول. فالإعادة في مثله ليست لمجرد التأكيد، لأنه زيد عليه ما تعلق به.

ولتأكيد وجهة النظر هذه نقل عن ابن جني في شرح مشكل الحماسة قوله عند رواية كلام الأحوص:

فإذا تزول تزول عن متخمِّط ... تخشى بوادرُه على الأقران

محال أن تقول: إذا قمتَ قمتَ، وإذا أقعد أقعد؛ لما اتصل بالفعل الثاني من حرف الجر المفادة منه الفائدة. وحكى مخالفة أبي علي الفارسي لهذا الرأي معلّلاً موقفه بقوله: فلعلّه امتنع في هذه الآية من اعتبار {أَغْوَيْنَاهُمْ} بدلاً من {أَغْوَيْنَا}. وجعله استئنافاً وإن كان المآل واحداً (٣).


(١) الفرقان: ٧٣.
(٢) القصص: ٦٣.
(٣) محمد الطاهر ابن عاشور. التحرير والتنوير: ١/ ١، ١٩٢ - ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>