حصول ما لا يلائمها، فتترتّب عليه كراهية الفعل المغضوب منه وكراهية فاعله. ويلازمه الإعراض عن المغضوب عليه، ومعاملته بالعنف وبقطع الإحسان وبالأذى. وربما أفضى ذلك كما قدمنا إلى طلب الانتقام منه. فيختلف الحد الذي يثور عنه الغضب في النفس، باختلاف مراتب احتمال النفوس للمنافرات، واختلاف العادات في اعتبار أسبابه. ولما كانت هذه الحقيقة لا تليق بمقام الألوهية، ويستحيل اتصاف الله بها وإسنادها إليه، للأدلة القطعية الناطقة بتنزيهه سبحانه عن المتغيّرات الذاتية والعرَضية، ويكون على المسلم الوقوف عند حدود النص الوارد في ذلك من الكتاب أو السنة. وسبيل ذلك عند أهل العلم والنظر صرفُ اللفظ إلى المجاز بعلاقة اللزوم، أو إلى الكناية باللفظ عن لازم معناه. فالذي يكون صفةً لله من معنى الغضب هو لازمه، وهو العقاب والإهانة يوم الجزاء، واللعنة أي الإبعاد عن أهل الدين والصلاح في الدنيا، إذ هو من قبيل التمثيلية.
وتعليقاً على إيراد هذا التفسير لغضب الله يقف الإمام بين طريقتين، طريقة السلف في ذلك، وطريقة مَن جاء بعدهم من أهل العلم قائلاً:
كان السلف في القرن الأول ومنتصف القرن الثاني يمسكون عن تأويل هذه المتشابهات لما رأوا في ذلك الإمساك من مصلحة الاشتغال بإقامة الأعمال التي هي مراد الشرع من الناس.
ولما نشأ النظر في العلم وطلب معرفة حقائق الأشياء، وحدثَ قول الناس بمعاني الدين بما لا يلائم الحق، لم يجد أهل العلم بداً من توسيع أسباب التأويل الصحيح لإفهام المسلم وكبت الملحد. فقام الدين بصنيعهم على قواعده، وتميّز المخلص له عن ماكره