وجاحده. وكل، فيما صنعوا، على هدى، وبعد البيان لا يرجع إلى الإجمال أبداً، وما تأوّلوه إلا بما هو معروف في لسان العرب، مفهوم لأهله.
وهكذا يوازن بين الاتجاهين المتقدمين: اتجاه أهل السلف واتجاه أهل النظر، مراعياً تطوّر الظروف والأحوال بين العصور، ومظهراً تقديره للمنهجين لما قاما عليه من أسباب، وهَدَفا إليه من غايات. ولتفصيل العقاب الذي يقتضيه غضب الله على المنحرفين والضالين يقول:
فغضب الله تعالى على العموم يرجع إلى معاملته للحائدين عن هديه، العاصين لأوامره، ويترتّب عليه الانتقام. وهو مراتب أقصاها عقاب المشركين والمنافقين بالخلود في الدرك الأسفل من النار (١).
تلك موضوعات ومباحث في اللغة وعلوم العربية وأسرارها تناولها قلم الإمام الأكبر، تَسنده معرفة كاملة باللغة وتصاريفها وأساليب الإبداع والإمتاع فيها، وعلمٌ غزير بأعمق وأدق وأكمل ما كتب في هذه الأغراض، من مؤلفات ودراسَات في القديم والحديث، وإحاطةٌ بمختلف العلوم، وتمرّس بفنون القول يضمّان الشواهد إلى القواعد، وتستجلى عن طريقيهما من تراثنا العلمي والأدبي كل ما فيه برهان على تقدمنا، وسبب للمفاخرة بأجود ما عندنا، وعناية بما جمعه وأبرزه الأشياخ من نصوص وفصوص وروائع وفرائد.
وقد كان قلم الإمام شاهداً بما صدر له وعنه، مع دلالة على ذوق صاحبه وحسه الفني اللذين هذبتهما الممارسة الطويلة،
(١) محمد الطاهر ابن عاشور. التحرير والتنوير: ١/ ١، ١٩٧ - ١٩٨.