للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ما قاربها من غير أن يكون المقام ممّا يقصد فيه الادعاء أو المبالغة.

وقال السيوطي في المزهر: إن المجاز متى كثر استعماله صار حقيقة عرفاً، وأن الحقيقة متى قلّ إستعمالها صارت مجازاً عرفاً (١)، وعلى هذا جرى القرافي في قوله في التنقيح (٢): إن الوضع يطلق على جعل اللفظ دليلاً على المعنى وهو الوضع اللغوي، ويطلق على غلبة استعمال اللفظ في المعنى حتى يصير أشهر منه من غيره.

ويُتبع صاحب المقالة هذا التحقيق، الذي اعتمد فيه أقوال اللغويين وعلماء الأصول، بذكر الأسباب الموجبة لكثرة المجازات والاتساع في الإطلاقات اللغوية فيها. فمن ذلك ما سبق ذكره من شهرة المجاز. ونوّه في هذا المحل بصنيع الزمخشري الذي دعته الاستعمالات المجازية الكثيرة إلى وضع أساس البلاغة. ثم أورد شواهد عديدة في استعمال لفظ "كل" غير محتمل لغير معنى الكثرة. وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} (٣).

فكلمة "كل آية" وإن وقعت في حيز المبالغة بِلَوْ الوصليّة، فإن المبالغة هنا لا تتصور إلا على معنى الكثرة الشديدة، وقوله عز وجل: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (٤). وكذلك ما ورد في كلام العرب كما في قول النابغة:

بها كلّ ذيال وخنساء ترعوي ... إلى كلّ رجاف من الرمل فارد


(١) السيوطي: ١/ ١٧٦، ط. بولاق.
(٢) تنقيح الفصول: ١٥. ط. التونسية.
(٣) يونس: ٩٦، ٩٧.
(٤) الحج: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>