للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المروية عن الخليفة الثالث لا شاهد فيها، لأن قصاراه أنه عام مخصوص بلفظ متصل به. فلم تخرج كلمة "كلّ" الواقعة فيه عن معنى جميع الأفراد إلا بعد ذكر لفظ آخر. ومن المعلوم أن العام المخصوص مراد عمومه تناولاً. وهذا مثل الاستثناء من لفظ دال على العموم، فإنّه لا يحدث لذلك اللفظ معنى جديداً.

ومضى بعد ذلك صاحب التاج يستدل لمقالته من إفادة (كل) البعضية بآيتين كريمتين هما: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} (١): {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}. وردَّ الشيخ على هذا الاستدلال ببيان مدلول الآيتين، ثم نبّه إلى أن قول القاموس وما يقتضيه بجعل كلمة "كلّ" مطلقة على البعض قليلاً كان أو كثيراً، ويؤكد هذا المعنى بكلمة "ضد" التي يراد منها ضد جميع الأجزاء. وهذه تقتضي تمام المقابلة لدلالة "كل" على الشمول. وتعقيباً على هذا يقول: ولا أحسب أن أحداً يدّعي أن لفظ "كل" يطلق على الواحد ولا على العدد القليل، وبناء عليه تكون عبارة القاموس مدخولة.

ويستنتج مما تقدّم أن الفيروزآبادي أثبت في كلامه دلالة لكلّ غير دلالتها على الشمول. وهذا يعني أنه يجوز إطلاق لفظ "كل" بمعنى الكثير، لدلالته على الكثير من جنس ما تضاف إليه، وعلى العظيم منه القائم مقام الكثير. وهذا ممّا ورد به الاستعمال عند العرب، وهو قريب من أصل معنى "كلّ"، فيكون إطلاقه على الكثرة من باب تنزيل الأكثر والأهم منزلةَ الجميع لعدم الاعتداد بما سواه. والاستعمال هنا مجازي، ثم شاع وتُوُسِّع فيه فاستغنى عن قرينة المجاز لمساواته للإطلاق الحقيقي على الكثرة


(١) النحل: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>