عوجوا فحيُّوا لنُعمٍ دمنة الدار ... ماذا تحيّون من نُؤْيٍ وأحجار
أقوى، وأقفر مِن نُعمٍ، وغيَّره ... هُوج الرياح بها في الترب موار
ومنها التي ذكرها التبريزي في شرحه للقصائد العشر، مقارنة بما أنشده لأصحاب المعلقات، وهي الدالية التي طالعها:
يا دار ميّة بالعلياء فالسند ... أقوت، وطال عليها سالف الأبَد.
وقَفْتُ فيها أصَيلاناً أسائلها ... عيّت جواباً، وما بالربع من أحد.
ومن أشهر قصائده أيضاً الدالية الأخرى التي يقول من أوّلها:
أمن آل ميّة رائح أو مغتد ... عجلان ذا زاد وغير مزوّدِ.
أَفِدَ الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا، وكأن قَدِ.
هذه هي التي وصف فيها زوجة صديقه النعمان المتجرّدة، ذاكراً خفيَّ محاسنها، فغضب الملك عليه. ولاذ هو بالفرار. ومكث هناك غير قليل عند الغساسنة يمدح عمرو بن الحارث الأصغر. ثم رجع إلى صديقه مستشفعاً بالفَزاريَّيْن، فعفا عنه الملك. وأنشده النابغة بعد ذلك اعتذارياته البديعة، كما أعطى قبيلته حظاً من شعره مدافعاً عنها ومؤيِّداً لها.
فكان جميع ذلك مدعاة لتقدير منزلته السامية في الشعر. وقد حمل هذا معاصريه في الجاهلية على أن يضربوا له قبة من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها. وأول من أنشده منهم الأعشى ثم حسان بن ثابت ثم غيرهما، كما أنشدته الخنساء بنت عمرو بن الشريد.
هذا هو النابغة وما يتميّز به بين الشعراء. وهو وإن كان وبشر بن خازم يُقْوِيان، فقد استحوذ ببليغ قوله وسحر بيانه على كل من خالطه أو قرأ له. وهكذا عَلِق شيخنا الإمام بشعره، وانصرف إلى النظر فيه