والعناية به. وقد كان موقفه منه مثل موقفه من الأعشى قبله، وموقفه من بشار بعده. والثلاثة فحول يحرص الدارس على جمع أقوالهم، والبَحث عن المزيد من آثارهم.
فالأسباب التي دعت المحقق إلى تتبع أبيات قصيدة المحلّق في مظانّها، والقيامِ بعد جمعها قدرَ الوسع بترتيبها وبناء وحدتها، هي التي حملته على طلب أشعار النابغة في مختلف المراجع والمصادر. ولم يكن المطبوع من شعر أبي أمامة، الذي وقف عليه شيخنا يومئذٍ، غير ما صدر عن المطبعة الوهبية بمصر ١٢٩٣، أو ما ضمّنه لويس شيخو مجموعته شعراء النصرانية التي ظهرت ببيروت ١٣٠٧/ ١٨٩٠. وبعد مراجعته للديوان في طبعتيه، إن صحّ القول، تبيّن للإمام أنّ بهما نقصاً، وأن شيخو لم يُخْرج ما وقف عليه من شعر النابغة، حتّى قام بتجريد شرح عاصم بن أيوب البطليوسي، مضيفاً إليه ما عثر عليه من أبيات للنابغة في كتب اللغة والأدب، مثل لسان العرب لابن منظور، ومعجم البلدان لياقوت الحموي. وبهذا حصل له خلط فيما جمعه من أبيات للنابغة الذبياني وما عزاه إليه خطأً من شعر النابغة الجعدي أو غيره. وسبب ذلك قلّة التثبّت وعدم التحرّي أحياناً، كما حصل له، بجعله مع عدد من الجاهليين المبدعين من شعراء النصرانية، وَهْمٌ. فاستوجب ذلك مناقشة الإمام لآرائه وإبطاله لمزاعمه.
واستدراكاً على هذه الجهود النافعة أصبح ديوان النابغة في حاجة إلى من يجمع شتاته ويقيم نصوصه ويرتّبه، مع الشرح الذي لا غنى أحياناً عنه، لِما في بعض ألفاظه من وعورة، وبعض تراكيبه وجمله من خفاء أو دقَّة. وقام الإمام الأكبر بهذا العمل الجليل لأول مرّة معتمداً فيه على مصدرين هامَّين هما: