للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخير المجتمع. وإنه لمن الواجب الجزم بأن مشاركة أهل الحلّ والعقد للملوك، في كلّيات السياسة، مع جعل المسؤولية في إدارة شؤون البلاد على الوزراء المباشرين لها، بمقتضى قوانين مضبوطة، يراعى فيها حال المملكة، أجْلَبُ لخيرها وأحفظُ لها (١).

وأما الدعوة إلى الاقتباس من الغرب، وهي ظاهرة الحداثة التي تكمل الجانبين الأولين الممثلين للأصالة في المجتمع الإسلامي، فإن الإلحاح عليها كانت تنطق به مقدمةُ أقوم المسالك، الداعية إلى الأخذ بسببين اثنين:

أولهما: إغراء ذوي الغيرة والحزم من رجال السياسة والعلم بالتماس ما يمكنهم من الوسائل الموصّلة إلى تحسّن حال الأمة، وتنمية أسباب تمدّنها، وتمهيد طرق الثروة، وترويج سائر الصناعات، والقضاء على البطالة.

ثانيهما: تحذير ذوي الغَفَلات، من عوام المسلمين، من تماديهم في الإعراض عمّا يحمد من سيرة الغير الموافقة لشرعنا. وقد قال الشيخ المواق من قبل: "إن ما نهينا عنه من أعمال غيرنا هو ما كان على خلاف مقتضى شرعنا"، وقال ابن عابدين: "إن صورة المشابهة فيما تعلّق به صلاح العباد لا تضرّ" (٢).

تلك هي الاتجاهات الأولى التي سارت عليها حركات الإصلاح في البلاد التونسية قبيل صدمة الاحتلال وبإثرها. وكان الإمام محمد عبده يلاحظ ما ينشأ عن ذلك من تقارب مع سلطة الاحتلال تمثّله "فئة من الناس وَطَّنت النفس على الاقتناع بتفوّق


(١) خير الدين. أقوم المسالك: ١/ ١٣٧.
(٢) المرجع نفسه: ١/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>