للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء الدخلاء، وأخضعت حياتَها لسلطان حياتهم. فتطلّعت إلى الأخذ بما هم عليه من ثروة أو بهجة أو لذة على قدر ما تسمح لهم به وسائلهم". فنادى بجهير صوته: "فنيت مذاهب الطامعين أزماناً ثم ظهرت، بدأت على طرق ربما كانت تنكرها الأنفس ثم الْتَوَتْ. أوغلَ الأقوياء في سيرهم بالضعفاء من الأمم حتى تجاوزوا بيداء الفكر، وسحروا ألبابهم حتى أذهلوهم عن أنفسهم وخرجوا بهم عن محيط النظام، وبلغوا بهم من الضيم حدّاً لا تحتمله النفوس البشرية. وإنّ الأمم الكبيرة إذا عراها ضعف، ثم صالت عليها قوة أجنبية أزعجتها، ونبَّهَتْها بعض التنبيه. فإذا توالت عليها وخزات الحوادث وأقلقتها آلامها، فزعت إلى استبقاء الموجود ورد المفقود، ولم تجِد بدّاً من طلب النجاة من أي سبيل".

ومن هنا كان حتماً أن يذكر الساسة والدعاة ما صار إليه المسلمون من الانحطاط بعد العلو، ومن الضَّعف بعد القوة، ومن المرض بعد الصحة، ومن الذلّة بعد العزّة، فإن سببه صدوفُهم عن عقيدتهم الصحيحة، ودينهم السمح، مقوِّم جماعتهم وأساس وحدتهم. وإن السعادة الحقيقية لهي طلبة الإنسان الأصيلة في حياته على الأرض لا يجوز أن تلتمس - كما قال جمال الدين الأفغاني - إلا في الدين الخالص الذي هو الإسلام. فالدين هو الذي يتيح للإنسان الارتقاء فوق مراتب البهيمية الدنيا لإدراك صورة مهذبة كاملة سعيدة لا يستطيع أن يحقِّقها أيُّ طريق آخر في الحياة. والدين هو الذي يسمح ببناء نظام اجتماعي متماسك متَّحد يسعى لخير المجموع وسعادته داخل إطار المجتمع البشري الخاص والعام على حد سواء (١).


(١) فهمي جدعان. أسس التقدم عند مفكري الإسلام: ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>